الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: نصب الراية لأحاديث الهداية **
وهم فريقان: أحدهما: يقولون بأفضلية الإِفراد، وهم الشافعي، وأصحابه، والآخرون يقولون بأفضلية التمتع، وهم مالك، وأحمد، ومن تبعهما، فللشافعي من الأحاديث ما أخرجه البخاري، ومسلم [عند البخاري في "باب التمتع والاقران" الخ ص 212 - ج 1، وعند مسلم: ص 389] عن عائشة أن رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ أفرد الحج، انتهى. بلفظ مسلم، وطوله البخاري. - حديث آخر: أخرجه البخاري، ومسلم [عند مسلم: ص 404.] عن نافع عن ابن عمر، قال: أهللنا مع رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ بالحج مفردًا، انتهى. وأخرجه الترمذي عن عبد اللّه بن نافع الصائغ عن عبد اللّه بن عمر العمري عن نافع عن ابن عمر أن النبي عليه السلام أفرد الحج، وأفرد أبو بكر، وعمر، وعثمان، انتهى. والعمري تكلم فيه غير واحد، وأخرجه الدارقطني [عند الدارقطني: ص 263. ] عن عبد اللّه بن نافع، ولم ينسبه، فظن بعض الناس أنه عبد اللّه بن نافع مولى ابن عمر، فأعله به اعتمادًا على قول النسائي فيه: إنه متروك الحديث، وقول ابن معين: ليس بشيء، وهو خطأ، وإنما هو عبد اللّه بن نافع الصائغ، كما نسبه الترمذي، وهو صاحب مالك، روى عنه مسلم في "صحيحه"، ووثقه ابن معين، والنسائي، وقد تكلم فيه بعضهم من جهة حفظه، واللّه أعلم. - حديث آخر: أخرجه مسلم [عند مسلم: ص 392.] عن أبي الزبير عن جابر، قال: أقبلنا مهلين مع رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ بالحج مفردًا، انتهى. - أحاديث القائلين بأفضلية التمتع: ولأحمد، ومالك من الأحاديث ما أخرجاه في "الصحيحين" [عند مسلم: ص 403.] عن سالم عن ابن عمر، قال: تمتع رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج، وأهدى، فساق معه الهدي من ذي الحليفة، وبدأ رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ فأهلّ بالعمرة، ثم أهلّ بالحج، فتمتع الناس مع رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ بالعمرة إلى الحج، فكان من الناس من أهدى، فساق الهدي، ومنهم من لم يهد، فلما قدم النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ مكة قال للناس: من كان منكم أهدى، فإنه لا يحل من شيء حرم منه حتى يقضي حجه، ومن لم يكن منكم أهدى، فليطف بالبيت وبالصفا والمروة، وليقصر، وليحلل، ثم ليهلّ بالحج، انتهى. - حديث آخر: أخرجاه أيضًا في "الصحيحين" [عند مسلم: ص 402، وعند البخاري: ص 213 - ج 1] عن سعيد بن المسيب، قال: اختلف علي، وعثمان، وهما بعسفان في المتعة، فقال له علي: ما تريد إلى أن تنهى عن أمر فعله رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، فقال له عثمان: دعنا عنك، فلما رأى ذلك علي أهلّ بهما جميعًا، انتهى. قال صاحب "التنقيح": ليس هذا الحديث لمن قال بالتمتع، وإنما هو لمن قال بالقران، فإن عليًا أهلّ بالحج والعمرة جميعًا، والتمتع في عرف الصحابة يدخل فيه القران، قال: ويدخل فيه التمتع الخاص، ولم يحج النبي عليه السلام متمتعًا التمتع الخاص، لأنه لم يحلّ من عمرته، بل المقطوع به أنه قرن بين الحج والعمرة، لأنه ثبت عنه أنه اعتمر أربع عمر، الرابعة كانت مع حجته، وقد ثبت عنه أنه لم يحل منها قبل الوقوف بقوله: لولا أن معي الهدي لأحللت، وثبت أنه لم يعتمر بعد الحج، فإِن ذلك لم ينقل أحد عنه، وإنما اعتمر بعد الحج عائشة وحدها، فتحصل من مجموع ذلك أنه كان قارنًا، وعلى هذا يجتمع أحاديث الباب، واللّه أعلم، انتهى. - حديث آخر: أخرجه مسلم [عند مسلم: 402 - ج 1] عن سعد بن أبي وقاص أنه ذكر التمتع بالعمرة، فقال: قد صنعها رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ وصنعناها معه، انتهى. - حديث آخر: أخرجه الترمذي [حديث ابن عباس، عند الترمذي في "باب ما جاء في التمتع" ص 114 - ج 1 إلى قوله: وأول من نهى عنه معاوية.] عن ليث عن طاوس عن ابن عباس، قال: تمتع رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ حتى مات، وأبو بكر حتى مات، وعمر حتى مات، وعثمان حتى مات، رضي اللّه عنهم، وكان أول من نهى عنها معاوية، قال ابن عباس: فعجبت منه، وقد حدثني أنه قصر عن رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ بمشقص، انتهى. وليث هو ابن أبي سليم، وفيه مقال، فهذه أربعة أحاديث شاهدة أنه عليه السلام تمتع، وبقية الأحاديث فيها الأمر بالتمتع: فمنها ما أخرجاه في "الصحيحين" [عند البخاري في "باب من أهل في زمن النبي صلى اللّه عليه وسلم كإِهلاله" ص 211 - ج 1، وعند مسلم: ص 401 - ج 1] عن أبي موسى الأشعري، قال: بعثني رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ إلى أرض قومي، فلما حضر الحج حج رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ وحججت، فقدمت عليه، وهو نازل بالأبطح، فقال لي: بم أهللت يا عبد اللّه ابن قيس؟ قال: قلت: لبيك بحج كحج رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، قال: أحسنت، ثم قال: هل سقت هديًا؟ قلت: ما فعلت، قال: اذهب فطف بالبيت وبين الصفا والمروة، ثم احلل، فانطلقت ففعلت ما أمرني، وأتيت امرأة من قومي، فغسلت رأسي بالخطمي، وفلت رأسي [في - نسخة الدار - "وفلته" [البجنوري]. ]، ثم أهللت بالحج يوم التروية، انتهى. - حديث آخر: أخرجاه أيضًا في "الصحيحين" [عند مسلم: ص 404.] عن بكر عن ابن عمر، قال: خرج رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ فلبى بالحج ولبينا معه، فلما قدم أمر من لم يكن معه الهدي أن يجعلوها عمرة، انتهى. - حديث آخر: أخرجاه أيضًا عن طاوس عن ابن عباس، قال: كانوا يرون العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور في الأرض، ويجعلون المحرم صفرًا، ويقولون: إذا برأ الدبر، وعفا الأثر، وانسلخ صفر، حلت العمرة لمن اعتمر، فقدم رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ وأصحابه صبيحة رابعة مهلين بالحج، فأمرهم أن يجعلوها عمرة، فتعاظم ذلك عندهم، فقالوا: يا رسول اللّه، أي الحل؟ قال: الحل كله، انتهى. - حديث آخر: أخرجاه أيضًا عن الأسود عن عائشة، قالت: خرجنا مع رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ ولا نرى إلا أنه الحج، فلما قدمنا تطوفنا بالبيت، فأمر رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ من لم يكن ساق الهدي أن يحل، فحل من لم يكن ساق الهدي، ونساؤه لم يسقن، فأحللن، انتهى. - حديث آخر: أخرجاه أيضًا عن حفصة بنت عمر، قالت: لما أمر رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ نساءه أن يحللن بعمرة، قلت: ما يمنعك يا رسول اللّه أن تحل معنا؟ قال: إني قد أهديت ولبدت، فلا أحل حتى أنحر هديي، انتهى. - حديث آخر: أخرجه مسلم [عند مسلم: ص 391.] عن أبي الزبير عن جابر، قال: خرجنا مع رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ مهلين بالحج. فلما قدمنا مكة طفنا بالبيت وبالصفا والمروة، فقال لنا رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ: من لم يكن معه هدي فليحلل، قلنا: أي الحل؟ قال: الحل كله، قال: فأتينا النساء، ولبسنا الثياب، ومسسنا الطيب، فلما كان يوم التروية أهللنا بالحج، انتهى. - حديث آخر: أخرجه مسلم أيضًا [عند مسلم: ص 408.] عن أبي نضرة عن أبي سعيد، قال: خرجنا مع رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ فصرخ بالحج صراخًا، حتى إذا طفنا بالبيت، قال: اجعلوها عمرة، إلا من كان معه هدي، قال: فجعلناها عمرة فحللناها، فلما كان يوم التروية صرخنا بالحج، وانطلقنا إلى منى، انتهى. - حديث آخر: أخرجه النسائي [عند النسائي في "باب كيف يفعل من أهل بالحج والعمرة" ص 36 - ج 2]، وأحمد عن أشعث عن الحسن عن أنس بن مالك أن رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ وأصحابه قدموا مكة، وقد لبوا بحج وعمرة. فأمرهم رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ بعد ما طافوا بالبيت وسعوا بين الصفا والمروة أن يجعلوها عمرة، فكأن القوم هابوا ذلك، فقال رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ: لولا أني سقت الهدي لأحللت، فحل القوم وتمتعوا، انتهى. قال صاحب "التنقيح": هذا حديث صحيح، واللّه أعلم. - حديث آخر: رواه أحمد في "مسنده" حدثنا يونس حدثنا فليح عن نافع عن ابن عمر أن رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ لبد رأسه وأهدى، فلما قدم مكة أمر نساءه أن يحللن، قلن: ما لك أنت لا تحل؟ قال: إني قلدت هدي، ولبدت رأسي، فلا أحل حتى أحل من حجتي، وأحلق رأسي، انتهى. قال في "التنقيح": هو حديث صحيح على شرط البخاري. (يتبع...) (تابع... 1): - الحديث الثاني: قال عليه السلام: ... ... - حديث آخر: رواه أحمد أيضًا حدثنا عفان ثنا حماد بن سلمة ثنا حميد عن بكر بن عبد اللّه عن ابن عمر أنه قال: قدم رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ مكة وأصحابه مهلين بالحج، فقال رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ: من شاء أن يجعلها عمرة، إلا من كان معه هدي، انتهى. قال في "التنقيح": رواته ثقات، قال ابن الجوزي في "التحقيق": قالت الخصوم: فقد نقضتم أحاديثكم الأوائل بهذه الأواخر، لأنكم رويتم في الأوائل أنه تمتع، وفي الأواخر أنه تندم، كيف ساق الهدي، ولم يمكنه أن يفسخ، وأنتم بين أمرين: إما أن تصححوا الأوائل، فيبطل مذهبكم في فسخ الحج إلى العمرة، أو تصححوا الأواخر، فيبطل احتجاجكم بأن الرسول تمتع، ثم نتكلم على أحاديثكم، فنقول: الأوائل معارضة بالأواخر، فأما الأواخر: فإنه لم يأمر أصحابه بالفسخ لفضيلة التمتع، بل لأمر آخر، وهو ما رويتم من حديث ابن عباس أن أهل الجاهلية كانوا يرون العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور، فأمر بفسخ الحج إلى العمرة ليخالف المشركين، واستدلوا عليه بما أخرجه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه عن عبد العزيز بن محمد الدراوردي أخبرني ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن الحارث بن بلال عن أبيه، قلت: يا رسول اللّه، فسخ الحج لنا خاصة أم للناس عامة؟ قال: بل لنا خاصة، وإنما أخرجه مسلم في "صحيحه" عن أبي ذر، قال: كانت المتعة في الحج لأصحاب محمد خاصة، قال ابن الجوزي: الجواب أنه إذا صحت الأحاديث فلا ينبغي ردها، وإنما يتمحل لها، والوجه في الجمع بين الأحاديث أنه كان قد اعتمر، وتحلل من العمرة، ثم أحرم بالحج، وساق الهدي، ثم أمر أصحابه بالفسخ، ليفعلوا مثل فعله، لأنهم لم يكونوا أحرموا بعمرة، ومنعه من فسخ الحج إلى عمرة ثانية عمرته الأولى وسوقه الهدي، فعلى هذا تتفق الأحاديث، ولا يرد منها شيء، فإن قالوا: كيف يصح هذا التأويل، وإنما علل بسوق الهدي لا بفعل عمرة متقدمة؟ قلنا: ذكر إحدى العلتين دون الأخرى، وذلك جائز، وقولهم: إنما أمرهم بالفسخ لمخالفة الجاهلية، قلنا: لو كان كذلك لم يفرق بين من ساق الهدي ومن لم يسقه، ثم إنه اعتمر في أشهر الحج، ففي "الصحيحين" عن أنس أن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ اعتمر أربع عمر، كلها في ذي القعدة، إلا التي مع حجته، ففعله هذا يكفي في البيان لأصحابه، والمشركين أن العمرة تجوز في أشهر الحج، فلم يحتج أن يأمر أصحابه بفسخ الحج المحترم كذلك، وإنما فعل ذلك لأنه الأفضل. - وأما حديث ابن عباس: فإنه لم يرو أن رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ فعل لأجل ما كان المشركون يعتمدونه، وإنما ذكر حال الجاهلية. - وأما حديث الحارث بن بلال: فقال أحمد: هو حديث لا يثبت، ولا أقول به، والحارث بن بلال لا يعرف، ولو عرف فأين يقع من أحد عشر رجلًا من الصحابة، يرون الفسخ، ولا يصح حديث في أن الفسخ كان لهم خاصة، وأبو موسى الأشعري يفتى به في خلافة أبي بكر، وشطر من خلافة عمر. - وأما حديث أبي ذر: فموقوف عليه، وقد خالفه أبو موسى، وابن عباس، وغيرهما، ثم إنه ظن من أبي ذر، يدل عليه حديث ابن عباس: أن العمرة قد دخلت في الحج، وفي حديث جابر أن سراقة قال: ألعامنا أم للأبد؟ فقال: بل للأبد، يريد أن حكم الفسخ باق على الأبد، وقد قيل: إن وجوب الفسخ كان خاصًا بأصحاب النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، وأما غيرهم فلا يجب عليه، بل يجوز له، انتهى كلامه. قال صاحب "التنقيح" رحمه اللّه: وما جمع به المؤلف بين الأحاديث بأن النبي عليه السلام قد اعتمر وتحلل من العمرة، ثم أحرم بالحج، وساق الهدي، فضعيف جدًا، وكذلك قول من قال: إنه أحرم بالحج، ثم أدخل عليه العمرة، فكذلك قول من قال: إنه أفرد، ثم لما فرغ منه اعتمر ضعيف أيضًا، لأن أحدًا لم يعتمر معه بعد الحج إلا عائشة رضي اللّه عنها، وكذلك قول من قال: إنه أحرم بالعمرة أولًا، وساق الهدي، ثم أدخل عليها الحج، ولم يتحلل لأجل الهدي ضعيف أيضًا، وإن كان أقرب من غيره، وكذلك قول من قال: إنه كان قارنًا وطاف طوافين وسعى سعيين، وقد ذكرنا ضعف هذه الأقوال في غير هذا الموضع، والصواب أنه عليه السلام كان قارنًا أحرم بالحج والعمرة جميعًا، وطاف لهما طوافًا واحدًا، وسعى سعيًا واحدًا، وقد أخرج البخاري عن عمر بن الخطاب سمعت النبي عليه السلام، وهو بوادي العقيق يقول: "أتاني الليلة آت من ربي، فقال: صل في هذا الوادي المبارك، وقل: عمرة في حجة"، وهذا الآتي أتاه قبل أن يصل إلى الموضع الذي أحرم منه، وهو ذو الحليفة، انتهى كلامه. - قوله: والمقصود بما روى نفي قول أهل الجاهلية: إن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور، قلت: يعني بما روى الشافعي من حديث: القران رخصة، وقول الجاهلية تقدم عند البخاري، ومسلم [عند مسلم: ص 406، وعند البخاري في "باب التمتع والاقران" ص 212.] عن طاوس عن ابن عباس، قال: كانوا يرون العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور في الأرض، ويجعلون المحرم صفرًا، ويقولون: إذا برأ الدبر وعفا الأثر، وانسلخ صفر، فقد حلت العمرة لمن اعتمر، فقدم النبي عليه السلام صبيحة رابعة مهلين بالحج، فأمرهم أن يجعلوها عمرة، فتعاظم ذلك عندهم، فقالوا: يا رسول اللّه أي الحل؟ قال: الحل كله، انتهى. ورجح الحازمي في "كتاب الناسخ والمنسوخ" [الوجه الأول، هو التاسع من وجوه الترجيح: ص 11، والثاني هو العاشر من وجوه الترجيح: ص 12.] أنه عليه السلام كان مفردًا بوجهين: أحدهما: حديث جابر الطويل، قال: فإنه أحسن سياقًا، وأبلغ استقصاءً، وغيره لم يضبط ضبطه، والثاني: أن أحد الروايتين كان أقرب مكانًا من رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، فإِن أنسًا روى أنه عليه السلام قرن، وابن عمر روى أنه أفرد، وقال في حديثه: كنت تحت جران ناقة رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، ولعابها بين كتفي، فحديثه أولى بالتقديم، وقال ابن سعد في "الطبقات [عند ابن سعد في "حجة الوداع" ص 124 في القسم الأول، من الجزء الثاني] - في باب حجة الوداع": وقد اختلف علينا فيما أهلّ به النبي عليه السلام، فأهل المدينة يقولون: إنه أهلّ بالحج مفردًا، وفي رواية غيرهم أنه قرن مع حجه عمرة، وقال بعضهم: دخل مكة متمتعًا بعمرة، ثم أضاف إليها حجة، وفي كلٍّ رواية، انتهى. - الحديث الثالث: قال عليه السلام: - "دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة"، قلت: أخرجه مسلم، وأبو داود، والترمذي [عند مسلم: ص 407، وعند أبي داود في "باب إفراد الحج" 249 - ج 1، وعند الترمذي في "باب، قبل باب ما جاء في ذكر فضل العمرة" ص 125 - ج 1]، والنسائي عن مجاهد عن ابن عباس عن النبي عليه السلام أنه قال: هذه عمرة استمتعنا بها، فمن لم يكن عنده هدي فليحل الحل كله، وقد دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة، انتهى. قال الترمذي: حديث حسن، ومعناه أنه لا بأس بالعمرة في أشهر الحج، انتهى. وقال أبو داود: هذا حديث منكر، إنما هو قول ابن عباس، قال المنذري: وفيما قاله نظر، فقد رواه أحمد بن حنبل، ومحمد بن المثنى، ومحمد بن بشار، وعثمان بن أبي شيبة عن محمد بن جعفر عن شيبة مرفوعًا، ورواه أيضًا يزيد بن هارون، ومعاذ بن معاذ العنبري، وأبو داود الطيالسي، وعمر بن مرزوق عن شيبة مرفوعًا، وتقصير من قصر من الرواة لا يؤثر فيما أثبته الحافظ، واللّه أعلم.
|